الأربعاء، 18 مايو 2016



مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد عندما فكرت ان اكتب في موضوع الشهادة ودورها في الاثبات كان غرضي واهتمامي هو ان احاول تهميش دور الشهادة في الاثبات ولكن بعد الدراسة والبحث ثبت لي بان للشهادة دوراً فاعلاً وايجابياً في اثبات الحقوق وان المجتمع مهما تطور لايستطيع ان يهمل العمل بالشهادة كطريق من طرق الاثبات وان الابقاء عليها مهم لصيانة الحقوق وتعزيز الثقة في التعاملات المدنية . فكما ان قانون الاثبات بشكل عام يقوم بتنظيم المسائل القانونية في المجتمع وان أي نظام قانوني لايكون فيها قانون للاثبات يعتبر نظاماً مبتوراً فنظرية الاثبات من اهم النظريات القانونية في جميع التشريعات الحديثة في العالم واكثرها تطبيقاً في الحياة العملية . ان التطور الكبير الحاصل في عالم التكنولوجيا والاتصالات والنواحي التقنية الاخرى أضعفت دور الشهادة في الاثبات ولكنها لم تعدمها حيث انها سوف تبقى طريقاً مهما من طرق الاثبات لان الانسان بنفسه سوف يبقى اهم واعظم من اية آلة او جهاز او تطور حيث انه هو المبدع لهذه الادوات العلمية ولا يمكن للإنسان ان يخلق شيئاً يكون سبباً في الغاء دوره في الحياة – بعد الدراسة كما اسلفت تأكدت لي اهمية دور الشهادة في الاثبات لذا اصبح الموضوع اكثر تشويقاً لي واكثر اهمية.
المبحث الاول: ماهية الشهادة وأدلتها وأنواعها وشروطها بين الشريعة والقانون.
المطلب الاول : تعريف الشهادة.
الشهادة هي إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله أحد الأشخاص عما شاهده أو سمعه أو أدركه بحواسه من هذه الواقعة بطريقة مباشرة .وتعرف أيضا على أنها:(( تقرير يصدر من شخص في شأن واقعة عاينها بحواسه عن طريق السمع أو البصر ، وهي دليل شفوي يدلي به شفويا أمام السلطة المختصة )) ومن خلال ما جاء في التعريفين فإن المقصود بالشهادة ( شهادة الشهود ) هو تلك المعلومات التي يقدمها شخص أو أشخاص إلى السلطة المعنية سواء سلطة التحقيق أو أمام المحكمة وقد نص عليها المشرع الجزائري في المواد من 220 إلى 238 حول سماع بشهادة الشهود أمام قاضي التحقيق فنظمها المشرع في المواد من 88إلى 99 وأيضا في المادتين 542 و543 . إن الشهادة تدل على واقعة ذات أهمية قانونية فهي تدل على وقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم في الإطار الجزائي والشهادة يقدمها ( أي يدلي بها الشاهد ) وهو شخص خارج عن أطراف الخصومة ولديه معلومات تفيد في الكشف عن الحقيقة المتصلة من حيث تحديد الأفعال المرتكبة وجسامة الجريمة وبالتالي نسبتها إلى فاعلها ومنه فترديد الشائعات ليس من قبيل الشهادة . والشاهد حين يدلي بشهادته غير مطالب بتقييم الواقعة كأن يدلي الشاهد بأن الجاني كان في حالة سكر فهنا ليس من اختصاصه تعليل عامل السكر كمانع للمسؤولية الجزائية . (الشهادة لغة مصدر شهد من الشهود بمعنى الحضور والاطلاع وهي خبر قاطع) والشهادة تعرف بانها اخبار الانسان في مجلس القضاء بحق على غيره لغيره وهي شهادة عن مشاهدة يشهد بما عرفه بحواسه او عن طريق العين (الرؤيا) او السمع او التسامع ولايمكن اعتبار الخبير ومن هو في حكمه شاهداً لانه يدلي بما يعرف بموجب فكر وتخمين وحساب لابموجب ادراك بحواسه.وكانت الشهادة في القديم هي من اقوى الادلة الثبوتية لانه في القدم لم تكن هناك بدائل للشهادة كالكتابة والادلة المادية التي تعتمد عليها المحاكم في الوقت الحاضر حيث كانت الشهادة تفضل على الكتابة فمن الاقوال المشهورة في هذا الصدد (ان الشهادة افضل من الكتابة) وقد وصفها الفقيه الانكليزي نيثام (انها اعين العدالة واذانها).
ان الشريعة الاسلامية قد اخذت بمبدأ الشهادة واعطتها اهمية كبيرة حيث تم ذكرها في القران الكريم في سورة البقرة الاية (282) (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى) وكذلك الاية 283 من سورة البقرة ايضاً (ولاتكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه). كما وردت في سورة الطلاق الاية (2) (فاذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم).
وقد عرّف الشهادة الفقهاء المسلمون بانها اخبار صادق لاثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء ولو بلا دعوى كما عرّفها الحنفية. اما المالكية فانها تعرف الشهادة على انها اخبار الشاهد الحاكم عن علم لا عن ظن او شك ليقضي بمقتضاه وعند الشافعية والحنابلة انها اخبار بحق للغير على الغير. والتعريف الاخير هو ماذهب اليه شراح القانون الوضعي . والشهادة عند اغلب العلماء المسلمين فرض كفاية اذا اداها البعض سقط الواجب عن الجميع وان لم يؤدوا طائفة الشهادة فان الجميع آثم وهذا ما ذهب اليه الشافعية وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتب ويشهد على التصرفات منعاً لاي نزاع محتمل في المستقبل كما ورد في تقرير حق الانتفاع على ارض مملوكة للدولة لصالح سلمة بن مالك حيث ورد (هذا ما اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن مالك السلمي اعطاه ما بين ذات الخناطي الى ذات الاساور لايحاقه فيها امير).
وشهد على ذلك كل من علي بن ابي طالب وحاطب بن ابي بلتعة.
المطلب الثاني : أدلة مشروعية الشهادة.
ان نطاق الاثبات بالشهادة بالنسبة للتصرفات القانونية محددة بموجب القانون وقد وضع لها ضوابط على المحكمة مراعاتها عند الاستماع لشهادة الشهود . اما الوقائع المادية فان اثباتها بالشهادة مطلق حيث ممكن ان تثبت بالشهادة جميع الوقائع المادية والتي ربما يستنتج اثباتها ترتيب حقوق تزيد قيمتها على الحد المسموح به الاستماع لشهادة الشهود وتسهيلاً للموضوع سوف نتناول في ثلاثة صور وهي الحالات التي يجوز فيها الاثبات بالشهادة والحالات التي لايجوز الاثبات فيها بالشهادة والاستثناءات الواردة على عدم السماح بالاستماع الى شهادة الشهود.

المطلب الثالث : انواع الشهادة.
تنقسم الشهادة حسب الفقه الجنائي إلى ثلاثة أنواع هي الشهادة المباشرة والشهادة السماعية والشهادة بالتسامع وسنبين كل هذه فيما يلي :
1- الشهادة المباشرة : وهذه الشهادة هي الأصل لأن الأصل في الشهادة أن تكون مباشرة إذ يتسنى الشاهد سواء كان أمام قاضي التحقيق أو حتى في مرحلة جمع الاستدلالات وأيضا أمام التحقيق النهائي أي أمام المحكمة فيدلي بما وقع تحت سمعه وبصره مباشرة كمن شاهد واقعة شجار أدت إلى جرح أحد المتشاجرين أو إلى كسر زجاج سيارة ..الخ فهو إذا شهد على واقعة وقعت من الغير أمامه يترتب عليها حق لغيره وهنا يكون متيقنا من حواسه وفي العادة يدلي الشاهد بأقواله مما رآه أو سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى أمام القضاء كما قد يكتفي بتلاوة شهادته المكتوبة أو يضم هذه الشهادة إلى ملف القضية في الظروف الاستثنائية.
2- الشهادة السماعية (الشهادة غير المباشرة ) : الشهادة السماعية هي بخلاف الشهادة المباشرة فهي تكون غير مباشرة لأنها شهادة من علم بالأمر من الغير فيشهد مثلا أنه سمع من شخص إسمه فلان إبن فلان واقعة سرقة قد حدثت يوم كذا بمنزل بالحي كذا و هذه الشهادة من حيث قيمتها في الإثبات هي أقل درجة من الشهادة المباشرة ولكنه عند وفاة الشاهد الاصلي يأخذ القاضي بهذه الشهادة والقانون لم ينص على عدم الأخذ بهذه الشهادة وقد قيل أن هذه الشهادة السماعية غير مقبولة في الشريعة الإسلامية عملا بالحديث الشريف <<إذا علمت مثل الشمس فأشهد وإلا فدع >> وهذا ربما يعود لكون الشهادة في حد ذاتها لا تكون موضع ثقة إلا إذا كانت نتيجة معلومات أدركها الشاهد بحواسه لأن خلاف ذلك يجعل الشهادة معرضة للتحريف و يشوبها الشك وعليه إذا اعتمدت المحكمة على الشهادة السماعية وحدها كان حكمها مشوبا في الاستدلال .
 3- الشهادة بالتسامع : تختلف الشهادة بالتسامع عن الشهادة السماعية المتعلقة بأمر معين نقلا عن شخص معين شاهدا هذا الأمر بنفسه وهذه الشهادة بالتسامع تتعلق أيضا بأمر معين لكنها ليست نقلا عن شخص معين شاهد الأمر بنفسه فيقول الشاهد سمعت كذا أو أن الناس قالوا كذا دون أن يستطيع إسنادها لأشخاص معينين أما من حيث قيمتها فالإثبات فهي ضئيلة ولا تلقى قبولا في المسائل الجنائية وإن كان القضاء يقبلها في المسائل التجارية على سبيل الاستئناس أما الفقه الإسلامي فقبلها في حالات معينة كشهادة النسب و الموت و النكاح والدخول.
المطلب الرابع : شروط الشهادة.
نتطرق أولاً الى الشروط الواجب توفرها في الشاهد فالفقهاء المسلمون لهم شروط محددة للأخذ بشهادة الشاهد لم يتقيد بها فقهاء القانون الوضعي منها مثلاً الإسلام فهي من الشروط الواجب توفرها عند الفقهاء المسلمين وخاصة اذا تعلق الامر بالخصومة بين المسلمين او كان احد الخصمين من المسلمين ولكن القانون الوضعي قد تجاوز هذا الشرط وتركه للتاريخ يكون تراثاً لهذه الامة الاسلامية لاغير.
اما موضوع تزكية الشهود فهو الاخر لم يتطرق اليه الفقهاء الوضيعون ووضاع القانون مع اهمية الموضوع ووجاهته لأنه امر ربما يصعب تحقيقه في الوقت الحاضر ولهذا جاوزت عنه التشريعات الحديثة حيث ان القانون لايعتد بالشهادة الا اذا كانت امام المحكمة وبإذنها حيث لاعبرة باي شهادة تودي خارجها حتى ولو كانت امام موظف عام وسوف نتناول بشيء من التفصيل في الشروط الواجب توفرها في الشاهد في القوانين الوضعية:
1)   أهلية الشاهد:
اجمعت القوانين على اهلية الشاهد بان يكون في عمر محددة للاستماع لأقواله حيث حدد قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي سن خمس عشرة سنة للاستماع لأقوال الشاهد واذا نزل عمره عن ذلك فتسمع شهادته على سبيل الاستئناس وان قانون الاثبات العراقي قد سكت عن تحديد عمر الشاهد الذي يُعد اهلا لأداء الشهادة بعكس القانون المصري حيث نصت المادة 64 من قانون الاثبات المصري (لا يكون اهلاً للشهادة من لم يبلغ سنه خمسة عشرة سنة على انه يجوز ان تسمع اقوال من لم يبلغ هذا السن بغير يمين على سبيل الاستدلال) وهذا ما ذهب اليه قانون اصول المحاكمات العراقي الذي يسير بهديه المحاكم المدنية لسكوت قانون الاثبات العراقي عن ذلك كما اسلفنا ومن اهلية الشاهد ان يكون سليم الادراك لا ان يكون فاقدها بسبب جنون او عته او سكر لا يعي ما يقول وان اهلية الشهادة ليست بمعنى لاتقبل شهادة الاعمى او الاخرس او الاصم حيث يمكن الاستماع لشهاداتهم كل حسب ما وصل الى علمه من الشهادة بالحواس التي له واستحصل على المعلومة المراد الاخبار عنها بواسطة الشهادة.

2)   ان لا يكون الشاهد ممنوعا من الشهادة:
ان هذا الاستثناء يرد على قاعدة سماع شهادة الشاهد الكامل الاهلية حيث منع القانون من الاستماع الى شهادات بعض الاشخاص ولو كانوا كاملي الاهلية ومنهم شهادة احد الزوجين على الزوج الاخر حيث منع قانون الاثبات العراقي في مادته (87) بانه (لايجوز لاحد الزوجين ان يفشي بغير رضا الاخر ماابلغه اليه اثناء قيام الزوجية او بعد انتهائها). (وسبب هذا المنع يرجع الى مراعاة المشرع لما بين الزوجين من مودة ورحمة واسرار زوجية وللحفاظ على مصلحة الاولاد والمجتمع ولايسري هذا المنع على الخطيب والخطيبة اذ لامحل لقياس الخطبة على الزوجين) وهذا المنع ينتهي بانتهاء العلاقة الزوجية لانه لايكون هناك الحكمة التي من اجلها منع الشاهد من اداء شهادته.
كذلك نصت المادة 88 من قانون الاثبات العراقي بانه (لايجوز للموظفين او المكلفين بخدمة عامة عامة افشاء ماوصل الى علمهم اثناء قيامهم بواجبهم من معلومات لم تنشر بالطرق القانوني ولم تأذن الجهة المختصة في اذاعتها ولو بعد تركهم العمل ومع ذلك فلهذه الجهة ان تأذن لها بالشهادة بناء على طلب المحكمة او احد الخصوم).
كما جاءت في المادة 89 من القانون اعلاه بانه (لايجوز لمن علم من المحامين او الاطباء او الوكلاء او غيرهم عن طريق مهنته بواقعة او معلومات ان يفشيها ولو بعد انتهاء مهمته الا انه يجب عليه الادلاء بالشهادة اذا استشهد به من افضى اليه بها او كان ذلك يؤدي الى منع ارتكاب جريمة).
(عليه فانه لايجوز للموظف او المكلف بخدمة عامة افشاء ما صادر تبليغه اليه على سبيل المسارة في اثناء اشغال وظيفته اذا ترتب عدم الكتمان فيه ضرر ما للمصلحة العامة ذلك ان كل شخص يدعى للشهادة ليس له ان يمتنع عن ادائها ما لم يكن في ادائه لها اخلال بواجب الزمه القانون مراعاته او زعزعته لرابطة يحرص القانون على بقائها وثيقة ولهذه الاعتبارات نص القانون على حالات منع فيها بعض الاشخاص من الشهادة ... فالمكلفين بخدمة عامة لايشهدون عن الوقائع التي بينتها هذه المادة مالم تأذن لهم السلطة المختصة في ذلك حتى تبقى اسرار الدولة مضمون من الاذاعة).
ما يقال عن الموظفين العموميين يقال عن المحاميين والاطباء والوكلاء اللذين وبواسطة ممارستهم لمهنتهم يصل علمهم الى اشياء هي ربما تكون من الاسرار الشخصية للاشخاص اللذين وثقوا بهم بحكم وظيفتهم وسلموا لهم هذه الاسرار او اطلعوا عليها بحكم عملهم فهؤلاء كذلك لايجوز لهم افشاء هذه الاسرار والتقدم بها باداء الشهادة عن المعلومات التي استحصلوا عليها بحكم ممارستهم لمهنتهم ولكن من الممكن ان يدلوا بهذه الشهادة اذا كان بناءاً على طلب من افضى اليه بها هذه الشهادة أو كان اداء الشهادة يمنع ارتكاب جريمة فهؤلاء الاشخاص اعفاهم القانون من اداء الشهادة.
(والمقصود من هذا النص هو حماية صاحب السر فاوجب القانون على الاشخاص الذين اؤتمنوا على سر من الاسرار بحكم مهنتهم او صناعتهم كتمانها وان يمتنعوا عن اداء الشهادة بشانها امام القضاء الا اذا اذن صاحب السر بذلك ولقد اوردت هذه المادة صنف المحاميين والاطباء وغيرهم من اجل المثال لا الحصر فالمادة المذكورة تشمل كل من في حكمهم من ارباب المهن والصناعات اللذين تقتضي صناعتهم او مهنتهم إتمانهم على اسرار الاخرين كالصيادلة والقابلات والممرضات والمحاسبين وغيرهم من الذين يؤدون صناعات عامة لخدمة الجمهور ولايشمل ذلك بالطبع اصحاب المهن الذين يعملون في خدمة الافراد كالكتبة والخدم والطهاة والسكرتيرين وغيرهم لان صاحب السر ليس مضطراً الى ان يفشي سره لهم).
(وفي العموم قد يكون الشخص غير اهل لاداء الشهادة فتسمع اقواله بغير يمين – اذا رأت المحكمة ذلك – على سبيل الاستئناس أي على سبيل الاستدلال من ذلك من لم يكمل الخامسة عشرة من عمره ومن لم يكن سليم الادراك بسبب العته او لسبب الهرم مثلا ومن صدرت عليه احكام جزائية تسقط عنه اهلية الشهادة كما هو المعمول به في القانون المصري في المواد 64 و80 من قانون الاثبات و259 و261 من قانون اصول المحاكمات الجزائية المصري . والعبرة في تقدير سن الشهادة او سلامة ادراكه هو وقت الاداء بشهادته لاوقت حصول الواقعة التي يشهد بها).
كما انه يشترط في الشاهد ان يكون من الغير فلايجوز ان يكون احد الخصوم او من يمثله كالمحامي او الولي او الوصي او القيم شاهداً. كما لايكون المدعي شاهداً كما كانت المادة 479 الملغاة من القانون المدني العراقي تنص على انه ليس لاحد ان يكون شاهداً ومدعياً فلا تصح شهادة الوصي لليتيم ولاشهادة الوكيل لموكله وعندما صدر قانون الاثبات منعت المادة 83 منه ان يكون الشخص شاهداً ومدعياً ذلك ان صفة الشهادة والادعاء صفتان متضادتان ومن ثم فلايجوز ان يكون الشخص شاهداً ومدعياً في آن واحد. اما شهادة الاصول والفروع بعضهم لبعض فان للفقه الاسلامي رأي يرى جواز شهادة الوالدين وان علا للولد وان سفل ولاشهادة للولد وان سفل لهما وان علوا ورأي اخر يجيز ذلك مادام الشاهد عدلا ولايجوز شهادة احد الوالدين على ولده لانه لاتهمة في مثل هذه الشهادة فوجب ان تقبل كشهادة الاجنبي بل هي الاولى ويجوز كذلك شهادة الاخ لاخيه وان كانت المادة 496 الملغاة من القانون المدني العراقي تنص على انه (لاتقبل شهادة الاصل للفرع ولاشهادة الفرع للاصل) وعندما صدر قانون الاثبات جاء خالياً من نص مماثل وقضت محكمة تمييز بانه لايجوز هدر شهادتي شاهدي المدعي بحجة ان الاول زوج ابنته والثاني ابن اخت زوجته عملاً باحكام قانون الاثبات الذي الغى احكام الاثبات الواردة في القانون المدني. واخيراً يلاحظ عدم نص قانون الاثبات على الحالات التي كان القانون المدني ينص عليها ليس معناه ان هذه الحالات اصبحت تقبل فيها الشهادة بشكل مطلق بل نعتقد ان المحكمة واستناداً لما لها من سلطة تقديرية واسعة وفق احكام المادة 82 من قانون الاثبات لها ان تقدر الشهادة من الناحيتين الموضوعية والشخصية.
اما الشروط الواجب توفرها في الشهادة هي ان يكون الشاهد قد حصل على المعلومات التي يدلى بها امام المحكمة بحواسه الخاصة سواء اكان عن طريق السمع او المشاهدة وهذه تسمى الشهادة المباشرة وهي التي يمكن للمحكمة ان تعتمد عليها وربما تكون هناك شهادات غير مباشرة كالشهادة السماعية وهي ان يروي الشاهد الشهادة من شخص آخر شاهد الواقعة المراد الشهادة فيها وان الشهادة السماعية لايؤخذ بها في القضايا المدنية وهذا ما ذهبت اليه محكمة التمييز في قرارها المؤرخ في 24/12/1987 والمتضمن (ان اقرار الورثة بسماعهم من مورثهم بانه مدين للمدعي لاقيمة له قانوناً).
اما الشهادة بالتسامع وفيها لايروي الشاهد نقلاً عن شخص معين ولا عن واقعة معينة بل يشهد بما هو شائع بين الناس وبما تتناقله الالسن وهذه الشهادة ليست شهادة بالمعنى الصحيح اذ انها لاتقبل في المسائل المدنية اما في قضايا الاحوال الشخصية فان الفقه الاسلامي يقبل الشهادة بالتسامع في حالات معينة وهي الشهادة بالنسب والموت والنكاح والدخول والمهر).
وبهذا القدر نكتفي عن الكلام عن المبحث الاول في شروط الاثبات بالشهادة.
المبحث الثانى: الإكراه وأثره على أداء الشهادة بين الشريعة والقانون.
للإكراه نوعان: نوع يعدم الإرادة في موضوعه، ويسمى الإكراه المادي، وآخر يضعفها، ويسمى الإكراه المعنوي.
1-   الإكراه المادي: يكون الإكراه  مادياً، عندما يجبر الشخص على إبرام تصرف أو القيام بفعل ما بقوة مادية لا يستطيع مقاومتها، ولا يملك سبيلاً لدفعها فتشل إرادته وتفقده حرية الاختيار، ويصبح كأنه آلة مسخرة بها: كالإمساك بإبهامه وجعله يبصم على سندٍ إقراراً منه بالتزام معين. ويعد الإكراه المادي حالة من حالات القوة القاهرة التي تتم من جانب الإنسان. وعلى هذا فإن الإكراه المادي ينتزع الرضا عنوة لا رهبة.
2-   الإكراه المعنوي: هو تهديد يوجه من شخص إلى آخر بوسيلة ما، فيولد فيه حالة نفسية من الخوف والفزع تجعله يقدم على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً. فالفرق بين الإكراه المادي والإكراه المعنوي هو أن الإرادة في حالة الإكراه المادي مشلولة أو مكفوفة كأنها غير موجودة إطلاقاً، في حين تكون موجودة في حالة الإكراه المعنوي ولكنها معيبة وفاسدة، إذ يخير صاحبها بين أخف الضررين، أو أهون الشرين، فهو بين القبول بإبرام التصرف، أو تحمّل الخطر المهدد بوقوعه عليه أو على شخص عزيز عليه.ومن هذا المنطلق فإن إشهار مسدس حربي على شخص و تهديده به إذا لم يوقع على عقد ما، وتهديد امرأة باعتداء على شرفها إذا لم تقر بالتزام معين، أو تهديدها بالطلاق إذا لم تنزل عن معجل مهرها أو إنقاص مؤجله، وكذلك تهديد الإدارة المالية شخصاً بالحجز على أمواله إذا لم يدفع مبلغاً غير مستحق عليه أصلاً، كل ذلك يعد إكراهاً معنوياً مفسداً للرضا وعيباً من عيوب الإرادة.
آثار الإكراه
يترتب على إثبات قيام حالة الإكراه بنوعيه، المادي والمعنوي، إبطال التصرف الذي تمّ تحت تأثيره، لأن الإرادة لم تكن حرة في أثناء إبرامه. ومن ثمّ فإنه يترتب على الإبطال إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التصرف، وذلك بالاستناد إلى قواعد الإثراء بلا سبب [ر]، وليس على أساس العقد، لأن العقد الباطل لا يرتب أي أثر، ويمكن أن يطالب الشخص المكره بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الإكراه على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية، التي تقوم على قاعدة أن «كل خطأ سبّب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض».

المبحث الثالث: سلطة المحكمة فى سماع الشهود.
المطلب الاول: اختيار الشهود.
نصت المادة 110 من قانون الإجراءات الجنائية على أن يسمع شهادة من يرى لزوم سماعة من الشهود عن الوقائع التى تثبت الجريمة وظروفها وإسنادها إلى المتهم أو براءتة منها. ومن المتفق علية فقها أن للمحقق سلطة تقديرية واسعة ، فى اختيار الشهود الذين يرى سماعهم سواء ، طلب الخصوم ذلك أو لم يطلبوا ،حيث أن طلب الخصوم ليس شرطا لسماع الشهود ، فللمحقق سلطة كاملة فى سماع من يرى سماعهم بل له أن يسمع شهادة أى شاهد يحضر من تلقاء نفسة (المادة 111/2 إجراءات) ، ويجوز له أن يرفض سماع من يطلب إلية سماعة من الشهود إذا لم يرى فائدة من سماعهم  .ورغم السلطة التقديرية الواسعة التى خولها القانون للمحقق فى اختيار الشهود ، إلا انه لايجوز له سماع المتهم شاهدا ضد نفسة ، لما يترتب علية حرمانة من الحق فى الدفاع ، ولهذا لايجوز للمحقق تأخير استجواب المتهم حتى يسمعة كشاهد فى بعض الوقائع ضد نفسة .وأنه يجوز أن يكون المجنى علية شاهدا فهو ليس خصما للمتهم ، كما يجوز أن يكون المدعى المدنى شاهدا وذلك لان خصومتة تقتصر على الدعوى المدنية ، ولذلك نصت (المادة 288 إجراءات (…،وذلك فى القانون المصرى ( على أن يسمع المدعى بالحقوق المدنية كشاهد ويحلف اليمن ؛وقد جرى قضاء محكمة النقض على ذلك .وأنه من السلطة التقديرية للمحقق فى سماع الشهود أن يسمع المحقق الشهود الذى يرى أن سماعهم يفيد التحقيق سواء كانوا شهود نفى أم أثبات، أما الذين لا جدوى من سماعهم فأن سماع المحقق يعطل التحقيق ، لذلك وضع المشرع سلطة تقديرة جدوى سماع الشهود لصالح التحقيق .

المطلب الثانى: إعلان الشهود وتكليفهم بالحضور.
نصت المادة 110 من قانون الإجراءات الجنائية على أن ..(( تقوم النيابة العامة بإعلان الشهود الذين يقرر قاضى التحقيق سماعهم ويكون تكليفهم بالحضور بواسطة المحضرين ، أو بواسطة رجال السلطة العامة ولقاضى التحقيق أن يسمع شهادة أى شاهد حتى ولو حضر من تلقاء نفسة وفى هذة الحالة يثبت ذلك فى المحضر. ويفاد من ذلك ..
إن إعلان الشهود وفقا لقواعد العامة يتم حضورهم بناءا على تكليفهم بالحضور يعلن إليهم بواسطة احد المحضرين أو احد رجال الضبط ، أو يكون التكليف من النيابة العامة ، بالنسبة لشهود الإثبات أما شهود النفى فيكون إعلانهم بناءا على طلب المتهم أو المسئول عن الحقوق المدنية ، وذلك طبقا ( للمادة 277 إجراءات جنائية ). ..((بأن يكلف الشهود بالحضور بناءا على طلب الخصوم ((.وقد يكون التكليف قبل الحضور 24 ساعة مع مراعاة مواعيد المسافة ، غير انه الاستغناء عن هذا الميعاد فى حالة (التلبس بالجريمة) ، إذ يجوز تكليفهم بالحضور فى أى وقت بدون إعلان ، ويجوز حضور الشهود فى الجلسة ، بناءا على طلب الخصوم و بغير إعلان سابق .

المطلب الثالث: التزامات الشهود وجزاء الإخلال بها .
(1)         الالتزام بالحضور أمام المحقق:
يجب على كل من للحضور أمام المحقق لتأدية الشهادة أن يحضر بناءا على الطلب المحرر له ، والا جاز لقاضى التحقيق ، أو القاضى الجزئ ، أو النيابة العامة إذا كانت هى التى تتولى التحقيق .(مادة 208( الحكم علية بعد سماع أقوال النيابة العامة بدفع غرامة لا تتجاوز 50 جنيها ، ويجوز له أن يصدر أمر بتكليفة ثانية بمصاريف من طرفة ، أو أن يصدر أمرا بضبطة واحضارة .(مادة 117 إجراءات جنائية (
فإذا حضر الشاهد بناءا على تكليفة بالحضور ثانية أو من تلقاء نفسة وأبدى اعتذارا مقبولا جاز اعفاؤة من الغرامة بعد سماع أقوال النيابة العامة ، ويجوز اعفاؤة بناءا على طلب يقدم منه . وإذا كان الشاهد مريضا ولدية ما يمنعة من الحضور تسمع شهادتة فى محل وجودة ، وإذا تبين عدم صحة العذر جاز أن يحكم علية بغرامة لا تجاوز مائتى جنية ، وللمحكوم علية أن يطعن فى الحكم . الصادر علية بطريق المعارضة أو الاستئناف طبقا للمادة..( 120 ، 121 إجراءات (..


(2)         الالتزام بحلف اليمين:
يجب على الشهود الذين بلغ سنهم أربعة عشرة ، أن يحلفوا يمينا قبل أداء الشهادة ، لأنهم يشهدون الحق ، ويجوز سماع الشهود الذين لم يبلغوا 14 سنة دون حلف اليمين وذلك على سبيل الاستدلال (طبقا للمادة 116 ، 283 إجراءات ).، ولا يجوز تحليف الشاهد يمن الطلاق

(3)         الالتزام بأداء الشهادة :
إذا حضر الشاهد أمام المحقق وجب علية أداء الشهادة ، بعد حلف اليمين وفى إذا ما حضر الشاهد أمام المحقق ، وامتنع عن أداء الشهادة أو عن حلـف اليمين ، يحكم علية قاضى التحقيق أو القاضى الجزئي أو النيابة العامة ، بعد سماع أقـوال الشهود بغرامة لا تزيد عن مائتى جنية ، ويجوز اعفائة من كل أو بعض العقوبة إذا عدل عن إمتناعة قبل إنتهاء التحقيق (المادة 119. ( وذلك ما مراعاة نصوص المواد ( 286 ،287 إجراءات  . (

(4)         الالتزام بذكر الحقيقة:
حتى تقوم الشهادة بدورها كوسيلة إثبات تتيح التقدير السليم للوقائع ، فأن الشاهد يلتزم بذكر الحقيقة ولا شىء غير الحقيقة ، وذلك وفقا لليمن الذى أداه ، والا عرض نفسة لعقوبة الشهادة الزور . ويلاحظ انه يجوز الطعن فى الأحكام الصادرة على الشهود من قاضى التحقيق للامتناع عن الحضور أو للامتناع عن أداء الشهادة ، أو حلف اليمين أو عدم الالتزام بذكر الحقيقة ، ويراعى فى القواعد
المقررة فى المادة 120 إجراءات ).، وللمحكوم علية أن يطعن فى الحكم الصادر علية بسبب صحة عدم عذر المرض الذى منعة من الحضور وذلك بطريق المعارضة أو الاستئناف وذلك وفقـا لنـص المادة ( 121/2 إجراءات )

المطلب الرابع: سلطة المحكمة فى الاستغناء عن الشهود.
يجوز للمحكمة الاستغناء عن الشهود فى الأحوال الآتية :
ü    إذا اعترف المتهم بالواقعة المنسوبة إليه عند سؤاله عنها .
ü    إذا تنازل المتهم أو المدافع عنه عن الشهادة سواء كان تنازل صريح أو ضمنيا .
ü    إذا تعذر سماع الشاهد لاى سبب من الأسباب أو استحال ذلك .
ü    إذا كانت المحاكمة تجرى فى غيبة المتهم فى جناية أمام محكمة الجنايات فلها أن تحكم فى الدعوى دون سماع الشهود .
ü    إذا لم يحض المتهم بعد تكليفة بالحضور ولم يرسل وكيلا عنه فى الأحوال التى يجوز فيها ذلك ،وللمحكمة أن تحكم فى غيبته بعد الإطلاع على الأوراق دون سماع الشهود .
...... كيفية سماع الشهود ......
نظم القانون سلطة قاضى التحقيق فى سماع الشهود ، وهى تسرى على النيابة العامة عندما تتولى التحقيق (المادة 112 إجراءات ) .والقاعدة لا تختلف أمام المحكمة فينادى على الشهود بأسمائهم وبعد الإجابة منهم يحجزون فى الغرفة
المخصصة لهم ، ولا يخرجون منها بالتوالى لتأدية الشهادة أمام المحكمة ، ومن تسمع شهادتة منهـم يبقى فى قاعدة الجلسة لحين انتهاء من المرافعة أو قفل باب المرافعة ، ومالم تسمح له المحكمة بالخروج ، وعند الضرورة يجوز أن يبعد شاهد أثناء سماع شاهد آخر ..والشهادة أساسا إقرارات يدلى بها الشاهد شفويا أمام القاضى أو المحقق ، أما الإقرارات المكتوبة من أحد الخصوم لشخص آخر فلا تعد شهادة بل تعد مستند قد يوجه نشاط القاضى فى الإثبات ويطاب المحقق من الشهود أن يبين كل شاهد منهم اسمه و لقبة و صناعته و سكنه و علاقته بالمتهم …، وتدون هذه البيانات بغير شطب ولا يعتمد
على أي تصحيح ، إلا إذا صدق عليه المحقق والكاتب والشاهد (م 113 إجراءات) ويضع المحقق والكاتب إمضاؤه عللا الشهادة ، وكذلك الشاهد بعد تلاوة علية إقراره و بأنه مصر
مصر عليها . وإذا امتنع عن الإمضاء يثبت ذلك فى محضر التحقيق مع ذكر الأسباب التى يبدها ، وفى جميع الأحوال يضع كلا من المحقق والكاتب إمضاؤه أول بأول (المادة 114 اجراءات ) وعند الانتهاء من سماع أقوال الشهود يجوز للخصوم إبداء ملاحظاتهم عليها.، ولهم أن يطلبوا من المحقق سماع أقوال الشاهد عن نقط أخرى يبينوها ، وللمحقق دائما أن يرفض أى سؤال ليس له تعلق بالدعوى أو يكون فى صيغته مساس بالغير (المادة 115 اجراءات ) ويلاحظ أن للمتهم حق الحضور أثناء إدلاء الشهود بأقوالهم مالم يقرر المحقق غير ذلك للاستعجال أو الضرورة؛ وللمحقق إدراك معاني إشارات الأبكم والأصم بغير الاستعانة بخبير ما دام فى الاستطاعة تبين معنى تلك الإشارات .والأصل أن يسمع المحقق الشهود فى مقر التحقيق ( مكتبة ) ، غير أنه إذا كان الشاهد مريضـا أو لديه ما يمنعة من الحضور تسمع شهادته فى محل وجوده ( المادة 121 إجراءات )

؛؛؛؛ سلطة المحكمة فى تقدير الشهادة ؛؛؛؛
للمحكمة مطلق الحرية فى وزن أقوال الشهود ، وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم ولم يضع القانون نصبا للشهادة يتقيد به القاضى فى المواد الجنائية بل ترك له تقدير الشهادة بحسب اطمئنانه إليها وبغض النظر عن الشهود الذين سمعتهم، ويسمع المحقق الشهود الذى يرى سماعهم يفيد التحقيق سواء كانوا شهود نفى أو إثبات ، أما الذين لاجدوى من سماع أقوالهم ، فان سماع المحقق لهؤلاء يضع من وقت التحقيق ، لذلك وضع المشرع سلطة تقديرة للمحقق جدوى سماع الشاهد لصالح التحقيق وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة وهذا هو المتفق علية فقها وقضاءا فى أختيار الشهود الذين يرى سماعهم ، بناءا على طلب الخصوم أو لم يطلبوا .

المحث الرابع: موانع قبول الشهادة بين الشريعة والقانون.


المطلب الاول: شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض.
باب موانع الشهادة الموانع جمع مانع من منع الشيء إذا حال بينه وبين مقصوده فهذه الموانع تحول بين [ ص: 428 ] الشهادة ومقصودها فإن المقصود منها قبولها والحكم بها ( وهي ستة ) أشياء ( أحدها قرابة الولادة فلا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض من والد وإن علا ولو من جهة الأم ) كأبي الأم وابنه وجده . و من ( ولد وإن سفل من ولد البنين والبنات ) لأن كلا من الوالدين والأولاد متهم في حق صاحبه لأنه يميل إليه بطبعه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم { فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها } وسواء اتفق دينهم أو اختلف وسواء جر بها نفعا للمشهود له أو لا كقذف وعقد نكاح ( إلا من زنا أو رضاع ) فتقبل شهادة الولد لأبيه من زنا ورضاع وعكسه لعدم وجوب الإنفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه ( وتقبل شهادة بعضهم على بعض ) لقوله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } ولأن شهادته عليه لا تهمة فيها وهي أبلغ في الصدق كشهادته على نفسه.


الفرع الاول: شهادة الولد لوالده والعكس.
ذهب جمهور العلماء إلى أن شهادة الولد لوالده أو الوالد لولده غير مقبولة ؛ لوجود التهمة واحتمال محاباته له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْوَالِدِ وَشَهَادَةَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَا تُقْبَلُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 86) .

وقال الشوكاني رحمه الله :
" اخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالْعَكْسُ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَعَلَّلُوا بِالتُّهْمَةِ فَكَانَ كَالْقَانِعِ ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَشُرَيْحٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْعِتْرَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ: إنَّهَا تُقْبَلُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ( ذَوَيْ عَدْلٍ) ، وَهَكَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَلْآخَرِ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَرَابَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ مَظِنَّةٌ لَلتُّهْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الْمُحَابَاةُ "
ذهب بعض العلماء إلى قبول شهادة الولد لوالده والعكس إذا انتفت التهمة .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الشَّهَادَةُ تُرَدُّ بِالتُّهْمَةِ، وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِالْقَرَابَةِ كَمَا لَا تُرَدُّ بِالْوَلَاءِ، وَإِنَّمَا تُرَدُّ بِتُهْمَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَالْوَلَدُ لِوَالِدِهِ، وَالْأَخُ لِأَخِيهِ، إذَا كَانُوا عُدُولًا، لَمْ يَقُلْ اللَّهُ حِينَ قَالَ: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) البقرة/ 282 : إلَّا وَالِدًا وَوَلَدًا وَأَخًا ، هَذَا لَفْظُهُ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رِوَايَتَانِ ، بَلْ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ فِي قَرَابَتِهِ وَوَلَائِهِ.
وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُ الشَّاهِدِ لِظَنِّ صِدْقِهِ، فَإِذَا كَانَ مُتَّهَمًا عَارَضَتْ التُّهْمَةُ الظَّنَّ، فَبَقِيَتْ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ مُقَاوِمٌ " انتهى من "إعلام الموقعين" (1/ 99) .

وقال الحجاوي رحمه الله في الزاد (ص: 242) :
" لا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض ولا شهادة أحد الزوجين لصاحبه وتقبل عليهم "

قال ابن عثيمين ما ملخصه :
" يريد بعمودي النسب الأصول والفروع ، هؤلاء لا تقبل شهادة بعضهم لبعض وإن كانوا عدولاً، فلو شهد أب لابنه لم تقبل شهادته ، أو ابن لأبيه لم تقبل شهادته ، أو شهد ولد لأمه لم تقبل شهادته ، أو أم لولدها لم تقبل شهادتها ، المهم أن هذا مانع ، فما الدليل على كونه مانعاً ؟
الدليل قوة التهمة ؛ لأن الإنسان متهم إذا شهد لأصله ، أو شهد لفرعه ، فإذا كان متهماً فإن ذلك يمنع من قبول شهادته لاحتمال أن يكون قد حابى أصوله أو فروعه ، فلا نقبل الشهادة حتى لو كان الأب من أعدل عباد الله ، أو الابن من أعدل عباد الله ؛ لأن كونه في هذه المرتبة من العدالة أمر نادر ، والنادر لا حكم له ، فالعبرة بالأغلب ، والأغلب أن الإنسان تلحقه التهمة فيما إذا شهد لأصوله أو فروعه ، ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي غلبت فيه العاطفة على جانب العقل والدين عند كثير من الناس.
وهناك قول آخر في المسألة: أنها تقبل شهادة الأصول لفروعهم ، والفروع لأصولهم إذا انتفت التهمة، وأن العبرة في كل قضية بعينها .
فنقول: إذا كان هذا الأب مبرَّزاً في العدالة، لا يمكن أن يشهد لابنه إلا بشيء هو الواقع ، ونعلم هذا من حاله ، فنقول: هذا الرجل ذو عدل في هذه الشهادة ؛ لأنه غير متهم ، فننظر إلى كل قضية بعينها، لا سيما إذا وجدت قرائن تؤيد ما شهدوا به فإن هذا يكون نوراً على نور، فعلى هذا القول نقول: هل الأصل القبول أو الأصل المنع ؟ إذا قلنا: الأصل القبول صرنا لا نرد شهادتهم حتى نعلم التهمة ، وإذا قلنا: الأصل المنع صرنا نمنع شهادتهم حتى توجد قرينة قوية، وهي بروزه في العدالة بحيث لا يشهد إلا بما هو حق ، والظاهر أن الأصل التهمة لا سيما في زمننا هذا، وبناءً على ذلك نقول: إذا ثبت أنه مبرز في العدالة ، وأنه لا يمكن أن يشهد إلا بحق فحينئذٍ تقبل الشهادة " .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" فَمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ الْقَرَابَةِ وَنَحْوِهِمْ بِمَتَانَةِ الدِّينِ الْبَالِغَةِ إلَى حَدٍّ لَا يُؤَثِّرُ مَعَهَا مَحَبَّةُ الْقَرَابَةِ فَقَدْ زَالَتْ حِينَئِذٍ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَالْوَاجِبُ عَدَمُ الْقَبُولِ لِشَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلتُّهْمَةِ " .

الخلاصة
أن شهادة الولد لوالده أو العكس مظنة التهمة في الغالب وخاصة في هذا الزمان فلا تقبل ؛ إذ الحكم للغالب ، وقد قَالَ الزُّهْرِيِّ : " لَمْ يَكُنْ يَتَّهِمُ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحَ فِي شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَا الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُورٌ حَمَلَتْ الْوُلَاةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ ، فَتَرَكَتْ شَهَادَةَ مَنْ يُتَّهَمُ إذَا كَانَتْ مِنْ قَرَابَةٍ ، وَصَارَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ، لَمْ يَتَّهِمْ إلَّا هَؤُلَاءِ فِي آخَرِ الزَّمَانِ " انتهى من "إعلام الموقعين" (1/ 89) .
- إلا إذا كان الشاهد منهما مبرَّزا في العدالة معروفا بها لدى عموم الناس وخصوصهم ، ووُجد من القرائن ما يؤيد عدالته وصدق شهادته ، فحينئذ تقبل شهادته .

الفرع الثانى: شهادة احد الزوجين.
اختلف الفقهاء في حكم شهادة أحد الزوجين للآخر إلى ثلاثة أقوال:
الأول: المانعون، وهم الحنفية، والمالكية ؛ والراجح لدى الحنابلة، ويرون عدم قبول شهادة أحد الزوجين للآخر.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
قال صلى الله عليه وسلم: ((لا شهادة لجار المغنم، ولا لدافع المغرم)).
وجه الاستدلال بالحديث:
-       شهادة الزوجين تتضمن معنى النفع والدفع؛ ولهذا تدخل في عموم النص؛ فتكون مشمولة بالنفي والمنع، والعلة التهمة.
-       قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل شهادة الوالد لولده، ولا السيد لعبده، ولا العبد لسيده، ولا الزوجة لزوجها، ولا الزوج لزوجته)).

وجه الاستدلال بالحديث:
يدل الحديث بمنطوقه على منع شهادة الزوجين للآخر، والعلة التهمة التي سببها جلب المصلحة، أو درء المفسدة عن الشاهد.
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا شهادة لخصم، ولا ظنين)).

وجه الاستدلال بالحديث:
ينص الحديث على علة المنع، وهي التهمة، وهي متحققة في شهادة الزوجين، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
مال كل واحد من الزوجين يضاف للآخر، بدليل قوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33].
وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 53].
وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
فأضاف البيوت إليهن تارة، وإلى النبي صلى الله عليه وسلم تارة أخرى، فكان كل واحد منهما ينتفع بشهادته لصاحبه، فلم تقبل كشهادته لنفسه.
يرث الزوجان بعضهما بعضًا من غير حجب حرمان، وينبسط بماله عادة، فلم تقبل شهادته له، كالابن مع أبيه.
يسار الرجل يزيد نفقة زوجته، ويسار المرأة يزيد مهرها، فكان كل واحد منهما ينتفع بشهادته للآخر، فلم تقبل منه كشهادته لنفسه.
الزوجية توجب الحنان، والتعطف، والمواصلة، والألفة، والمحبة، وهذه شبهة توجب رد الشهادة.
قال عمر رضي الله عنه للذي قال له: إن غلامي سرق مرآة امرأتي: لا قطع عليه، عبدكم سرق مالكم، وفي رواية، مالكم سرق بعضُه بعضًا.

وجه الاستدلال بالأثر:
إضافة كل من الزوجين للآخر، وكأنه يشهد لنفسه؛ وشهادة الإنسان لنفسه لا تقبل اتفاقًا.
مناقشة الأدلة:
الأدلة من السنة، ضعيفة من وجهين:
أحدهما - انقطاع الأسانيد، فلم يثبت اتصال السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل الضعيف سندًا لا يصح أن يبنى عليه حكم؛ لأن الحكم يبنى على الظن أو القطع، ولا يبنى على الشك والتردد.
والآخر - ضعف المعنى والاستدلال؛ لأن المعنى والاستدلال يقتضي التفريق بين الزوجين، والإخوة، والأعمام، وغيرهم من الأقارب، وهم متقاربون في التهمة، والاشتراك في العلة يقتضي الاشتراك في الحكم لا التفرقة.
الاستدلال بقضاء عمر رضي الله عنه غير صحيح؛ لأن إضافة كل من الزوجين للآخر مجازية لا حقيقية؛ لأنها بمعنى السكون، مع بقاء الشخصية الطبيعية والذمة المالية المستقلة والثاني - رأي المتوسطين، وهم ابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، وقول للشافعية والحسن البصري وإبراهيم النخعي، والشعبي، ويرى قبول شهادة الزوج لزوجته، وعدم قبول شهادتها له.

واستدلوا على رأيهم، بما يلي:
علة المنع: التهمة، وهي ضعيفة وغير مؤثرة في شهادة الزوج؛ لأن الزوج لا سلطان له في مال زوجته، وله القوامة عليها، بعكس الزوجة؛ لأن في يسار زوجها زيادة حقها من النفقة، وشهادتها له بالمال شهادة لها؛ فهي متهمة لذلك.
المرأة تضاف لزوجها لا العكس؛ ولهذا تتمتع المرأة بمال زوجها، ولا يتمتع بمالها.
مناقشة الأدلة:
نوقشت الأدلة من وجهين:

أحدهما - التفرقة بين الزوجين تحكُّمٌ لا دليل عليه؛ لأن الأدلة لم تفرق بين الزوجين في الشهادة، وهي بعمومها شاملة للزوجين معًا.
والآخر: إضافة الزوجة إلى زوجها مجازية لا حقيقية، والعلة في قبول الشهادة أو ردها واحدة، والتفرقة تحكُّم لا مسوِّغَ له شرعًا وعقلاً وواقعًا، يؤكد ذلك نصيب الزوج في ميراث زوجته أكثر من نصيبها، فالتهمة أشد وآكد في حقه ولو مآلاً.
والثالث - المجيزون، وهم جماهير الفقهاء، ومنهم الشافعية؛ وقول للحنابلة، والظاهرية.
واستدلوا على رأيهم بما يأتي:
قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
نزلت الآية بالشهادة بالحق، وهي عامة لكل أحد في كل شيء، بما في ذلك الزوجين.
قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ [البقرة: 282].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
الآية عامة، تشمل بعمومها شهادة الزوجين من غير فصل بين عدل وعدل، ومرْضي ومرْضي.
قوله تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
الآية بعمومها تشمل شهادة الزوجين؛ لأنه لم يرد دليل - يُعتدُّ به - يستثني شهادة الزوجين من عمومها، فتبقى على الأصل، وهو العموم.
شهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه لفاطمة رضي الله عنها عند أبي بكر رضي الله عنه ومعه أم أيمن، فقال له أبو بكر: لو شهد معك رجل، أو امرأة أخرى، لقضيت لها بذلك.
قبل شريح القاضي لامرأة شهادة أبيها وزوجها، فقال الرجل: إنه أبوها وزوجها؟! فقال شريح: فمن يشهد للمرأة إلا أبوها وزوجها؟.
قال الزهري: "لم يختلف الصدر الأول في قبول الأب لابنه، والزوجين أحدهما للآخر، والقرابة بعضهم لبعض، حتى دخلت في الناس الداخلة"؛ وهذا إخبار عن إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
الزوجان أجنبيان، والعلاقة بينهما قائمة على عقد الزواج، وهو عقد على منفعة، وسبب معرض للزوال، وعقد المنفعة لا يمنع قبول الشهادة، كالإجارة.
الأصل قبول شهادة الزوجين، ولا توجد علة في أحد الزوجين تمنع قبول شهادته، ثبتت بالخبر الصحيح، أو القياس، أو منطق العقل.
مناقشة الأدلة:
أولاً : الاستدلال بالآيات القرآنية نوقش من وجهين:
1-   الأدلة عامة مُسلَّم بها، وهي خارج محل الخلاف؛ لأنها تتحدث عن شهادة العدل مع انتفاء التهمة، فلا تشمل بعمومها المتهم في شهادته، والتهمة التي سببها المصلحة متحققة في شهادة الزوجين؛ لانتفاع كل واحد بمال صاحبه ولو مآلاً، فكان شاهدًا لنفسه، وشهادة الإنسان لنفسه لا تُقبَل اتفاقًا.
2-   الاستدلال بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ [النساء: 135]، استدلال غير صحيح؛ لأن الله تعالى أمر العبد أن يشهد على نفسه بالحق، ويسمَّى الإقرار على نفسه شهادة، وشهادة الإنسان على نفسه شيء، ولنفسه شيء آخر؛ فافترَقا.
ثانيًا - الاستدلال بالآثار، غير صحيح؛ لضعفها بسبب التعارض والاضطراب.
ثالثًا - القول أن الأزواج أجانب جمع بينهم عقد منفعة، غير صحيح؛ لأن الزواج يقوم على المحبة والحنان والألفة، ويترتب عليه المهر والنفقة والميراث وغير ذلك من الأحكام؛ ولهذا يفارق الإجارة من هذه الوجوه؛ فافترَقا، ولا قياس مع الفارق.
الترجيح:
تبين لنا بعد استعراض أدلة الفقهاء، وآرائهم في المسألة، ومناقشتها بمنهج علمي أصولي، ما يأتي:
*   قوة استدلال الفقهاء في المسألة.
*   ربط الفقه بالواقع، وتغير الحكم بتغير الزمن والعرف والظرف.
*   اختلاف الفقهاء في المسألة اختلاف زمان، لا اختلاف حجة وبرهان؛ لأن سبب الاختلاف يرجع إلى قوة العدالة وضعف التهمة لدى سلفنا الصالح، وضعف العدالة وقوة التهمة لدى المتأخرين.
إذا ثبت هذا، فإن الجمع والتوفيق بين آراء الفقهاء الواردة في هذه المسألة، وعلى ضوء مقتضيات المصلحة في عصرنا هذا، يستلزم تحقيقًا للعدالة في أوسع مدى، ما يأتي:
*   قبول شهادة الزوجين للدفع، كالاستصحاب لدى الأصوليين والفقهاء.
*   اعتبار شهادة الزوجين قرينة قضائية يستأنس بها القاضي عند وزن البينات، وتكوين القناعة قبل النطق بالحكم على أن يدرج ذلك في متن أسباب الحكم ومستنداته ومسوغاته.
*   توجيه المحاكم التي تعمل وفق رأي الحنفية أو المالكية أو الحنابلة أو غيرهم من المانعين، بضرورة سماع شهادة الزوجين كقرينة قضائية؛ ليكون لها الدور في الدفع والاستئناس؛ وبهذا يتم الجمع والتوفيق بين تحقيق العدالة ودفع التهمة.

الفرع الثالث: شهادة العدو على عدوة.
تقبل لزوال التهمة، وقال بعض أهل العلم: لا تقبل شهادة العدو لعدوه؛ لأنه يخشى أن يحابيه ليسلم من شره، وما قول الشاعر عنا ببعيد: لكن قومي وإن كانوا ذوي عددٍ *** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةً *** ومن إساءة أهل السوء إحسانا فمن أساء إليهم أحسنوا إليه، ومن ظَلَمَهُم غفروا له، فإن قال قائل: أليست الشريعة المطهرة قد أتت بدفع الأموال للأعداء الذين يخاف شرهم من الزكاة؟ إذن يمكن للإنسان أن يشهد لعدوه بقصد دفع شره، لهذا لا تقبل لعدوه ولا على عدوه. ولكن على كل حال هذا التعليل وإن كان مليحاً، لكن فيه شيء من النظر؛ لأننا نقول: احتمال أن يشهد لعدوه من باب المحاباة ودفع الضرر هذا شيء بعيد، وإن كان يقع، والأشياء والاحتمالات العقلية لا تأتي في مثل المسائل العلمية والعملية، فلو أردنا أن نأتي بالاحتمالات العقلية كنا نقول: حتى الشهود العدول الذين ليس فيهم موانع يمكن أن يخطئوا، يمكن أن ينسوا، يمكن أن تحدث عداوة بينهم وبين المشهود عليه.
*************************************
((الخاتمة))
بعد هذه الرحلة القصيرة في موضوع الشهادة ودورها في الاثبات في الدعوى المدنية يلاحظ بان الشهادة سوف تبقى من عناصر الاثبات المهمة لان طبيعة التعامل اليومي بين الناس تفرض عليهم اوضاعاً لايستطيعون تجاوزها فحركة البيع والشراء والاخذ والقبض والاستلام والتسليم للاشياء والمواد كلها امور جارية في المجتمع لايستطيع الافراد في كل حركة او عمل ان يطلب من المقابل دليلاً كتابياً بالأخذ او القبض او الاستلام لان المهمة سوف تكون شاقة على الجميع ويؤدي الى تقيد حرية الحركة والعمل والتبادل التجاري . فالثقة والسرعة في التعامل اليومي مطلوب من الجميع وعلى ضوء يكون للتعامل اليومي جدية اكثر وروحية تعامل اكثر حضارية وانسانية ولكن بما ان النفوس في يومنا هذا قد ضعفت بضعف الوازع الاخلاقي والديني وفقدان كثير من الافراد للقيم والاخلاق الحميدة في المجتمع يتطلب من الجميع الحذر في التعامل مع الاخرين والحذر من اقوال وشهادة الاخرين كذلك فلايمكن التساوي بين جميع الناس في قيمة شهادتهم ووزنها ولو ان ذلك ترك للمحكمة تقديرها ولكن ان يكون هناك ضوابط معلومة ومحددة للاخذ باقوال بعض الشهود او ردهم وان يكون هناك نظام للاستماع الى الشاهدات كما كان في العهد الاسلامي حيث كان للمحاكم الاسلامية وقضاتها مزكين وكانت تأخذ بنظام تزكية الشهود فكان هناك مزكين سريين للقاضي ومزكين علنين له وكان القاضي يستمع الى شهادة الشهود على ضوء تزكية المزكين ففي (تزكية السر يكون للقاضي شخص يسمى مزكي السر او الكاشف يسأل القاضي سراً عن الشاهدين اللذين يريدان ان يشهدا عنده في نزاع معروض فيذهب المزكي الى حيث يسكن الشاهدان او حيث يعمل به او الى المسجد حيث يصليان فيسأل عن احوال الشاهدين وفي سؤاله ياخذ باراء من يظنهم اصدقاء للشاهدين ومن يظنهم اعداء لهما بهدف التوصل الى صورة كاملة عن سلوك المرشحين للشهادة فان عرف القاضي في ذلك استقامة الشاهدين قبل شهادتهما وان عرف غير ذلك فللمستفيد من الشهادة البحث عن شاهدين اخرين)
******************